اوطان مستعارة

.

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
28/07/2007 06:00 AM
GMT



# ولدت القضية فيهم هم رجال الأوطان المستعارة ، ماتلك الأوطان ؟مااشكالها ؟ اهي الفردوس المضاع ام تراها يوتوبيا خاصة بعشاق الأوطان ؟ تلك الصفة المجهولة التي جعلت من ارض السواد سوادا للتحول ، لكنها اوطان تتعدد كتعدد آلهة اليونان في الذاكرة وتتشكل مثل تشكل اطوار البعث والفناء في الموروث البابلي القديم ، هي تلك الجدلية المقيمة في الذات المتمثلة في جنون هو ضرب من العشق الألهي لأوطان مستريبة مستحيلة ، اوطان مكبلة بمعضلاتها غير قادرة على احتضان اولادها فكيف تطعمهم وتكسوهم ..؟

اوطان معلقة على كتف الزمان نياشين ودوال على التكون ، على ان ماكان من صنع الله فهو لله وماكان من صنع الأمبراطور فهو للأمبراطور ... امبراطور الأرض يجد في الأوطان اوسمة ونياشين وطعاما لاينتهي تنوعه قادم من اوطان دافئة وحارة ، واطئة وعالية ، فقيرة ومترفة وخلال ذلك يصرخ الأمبراطور وسط اطلال قصوره : انا سيد الأوطان ..ويوم كانت الغمامة مجرد شكل رومانسي عند هارون تتنقل متخففة من احمالها فوق كل وطن ثم تلقي باحمالها الى بيت مال هارون وتمضي بسلام ..

الغمامات اليوم مصنوعة من معدن ولحام وفصوص مشعة وحديد وفولاذ ويورانيوم ...فأنى ذهبت فهي تلقي بالتلوث في كل ارض فيما امبراطورية البوشين الأب والأبن تنسج غماماتها العراقية الخالصة ، غمامات لحمتها ماجرى عشية 1991 وسداها ماجرى غب 2003.

ماجرى بين العشائين ، كان العشاء الأخير لشعوب لن تذوق بعد ذاك ولا بعد الآن ملحا من تراب الأوطان ، بل ستشرب ماءا من النحاس والمعدن وتلتهم طعاما ذا غصة ..وعذابا اليما ..

الأوطان معلقة اليوم بين نزوح الى اوطان تتناسل في داخل الوطن الأم اوطان صغيرة واوطان افتراضية في تخوم الأرض .. الأوطان الصغيرة هي مجرد جحور اليمة خشنة مخصصة منذ زمن ومنذ العام 1991وحتى العام 2003 ومابعد ذلك لكائنات ستفقد بل وستتنازل عن مستحقاتها الآدمية لترتمي على وجوهها في جحور الهرب المتواصل بحثا عن الوطن الهارب .

كلهم هائمون في حر تموز الموارب ، تموز الكراهية والعنف ، اذ تلتهب ارض العراقيين تمرا مرا وماءا كاويا ومابينهما ليس غير كائن في الهجير يبحث عن سيماء الوطن في سراب آب .

كل السادة واصحاب النيافة والكرامة والتبجيل سمعوا قصة انتيجون في جنونه المتواصل بحثا عن ذاته ، ليست روما ولا اثينا ولا تخوم الأولمب هي التي رسمت ملامح ذاك الوطن الأسير الصغير الكامن في الفلسفة ...حيث فرخ الوطن اسطورة حكائية خاصة بالأولاد ليست غير (المواطنة ) ، وكانت هي اللعنة التي لاحقت الأباطرة وايقضت فيهم شهوة القتل في المواطن من اجل ان لايدرك تخوم المواطنة تلك فلا يتعلم كيف تكتب ولا كيف تنطق واين تباع وتشترى ومارصيدها وفحواها؟ ..جيش السادة الأباطرة الجيوش من اجل تلك الأمية والوثنية السياسية .. صنعوا الهرطقة البديلة وحشوا رؤوس العامة بفكرة : انا هو الوطن .. انا معنى المواطنة ..

وحل طوطم الفكرة بدل التحلل الطبيعي للكلمات الى بقايا واشلاء ... فقبل فساد الكلمة انتشلها الأمبراطورالأب ثم الأبن وطالبا منذ العام 1991 وحتى 2003 ومابعدها ...طالبا العامة بترقب تلك الأهلة الطوطمية المتهالكة ..الأهلة التي ستنذر بتحول الأوطان الى فراديس صغيرة يحلم بها سواد الناس وينامون على خيالها المجنح فلما يصحون يجدون انفسهم وهم يلوذون بعيالهم من عواصف المعدن ..واعاصير الأنتقام والكراهية ..

(المارقون الخونة العملاء ... ) كلمات يرافقها قرع قديم جدا على طبول التخوين والأنتقام والكراهية ...كل قوم بما لديهم فرحون ...(المارقون ...الخونة ..الخ ) يتلقون دمغة خاصة ، وشما طوطميا جديدا مرتبطا بالوثن الجديد القديم ، فالخونة العملاء المارقون كلهم بلا رصيد من كلام .. هؤلاء كائنات هجينية لايعلم من اين جاءت ولا كيف حطت .. وهي كائنات (غوغائية مرعبة) .. لكن ماكان ويكون هو ان الفكرة التائهة الضالة تلك مثل نسر من الحديد ظل يتخطف الناس .. ويصرخ صرخة التنين : كل من لااريده فهو خائن ..كل من لايغني اغنية الطوطم فهو مارق ضال ... ولهذا هرعت خونة عملاء مارقون ..خونة عملاء ..الناس الى اي كاهن او فيلسوف .. بحثا عن اجابة مستحيلة لسؤال : ولكن اين الأوطان المستعارة التي يجب ان نراها في هذه الرقصة الوثنية المتكررة ..؟

 

...............................................................

 

ظل الوطن يحتضن صالحهم وطالحهم واكتوى بالنزوات التاريخية وما نبس ببنت شفة ..كان الوطن آلة بلا حد ..وعاءا للرحمة فضاؤه متسع ..لكنه كان خيالا ..فالوطن مسلوب الأرادة وبلا آلة يدرأ بها عن نفسه والوطن بلا قلب ..ففي جوفه مضخة اصطناعية لاغير... كان هيكلا يشبه الوطن قيل انه وطن منذ 1991 وحتى العام 2003 ومابعده وكان عليهم ان يصدقوا ويسلموا ويرضوا .. ان مااحترق يومها ومن قتل فقد كان جزءا من تدريب الوطن على الفقدان ..وضجيج القاصفات كان افتضاحا للآلة والمادة الأمبراطورية ولهذا هتف الهاتفون لوطن صنع من اورام الطفولة ..

كان المعرض الجوال في مشافي الطفولة مجرد تمرين وطني على الهزيمة التي كانت مفهوما معاكسا ومقلوبا ..الأطفال المتورمون تم تلقينهم النشيد وعلامات النصر واورامهم كانت للمتحف .. واولئك مقطعي الأطراف تدثروا بلحاف الوطن وامضوا مابقي من عمر في الأصغاء وتحليل الخطاب .

ذلك الوطن البعيد الممهور بالشعوذة اليومية كان يقيم جلسات تحضير ارواح المواطنين بدل خطب افئدتهم ..اذ كانت ارواحهم المحضرة هي الهواية الكاوية التي يتلذذ بها الأباطرة ولهذا تم توزيعهم ابجديا على سلالم الموت منذ 1991 وحتى 2003 ومابعد ذلك ..

اذ الموت في الأوطان ودونما سبب ولاعلم بتاريخ انطلاق الرحلة كان حلما كابوسيا في الماضي اما في زمن الأوطان المستعارة فقد صار فعالية يسيرة تعبر عن مواسم للضحك .

كان الوطن عند صديقي الأعرج هو امرأة عرجاء يمضي تحت افيائها شوطا ويصحح اعوجاج التاريخ واعوجاج الساق .. لكنه قال لي مرة انه اكتشف ان كل شيء معوج في هذا العالم وليست ساقه فقط هي المعوجة ...قال انه ماوجد يوما امرا معتدلا مستقيما ولا وجد في سقف الذاكرة اثرا لم يصبه داء الأعوجاج ..قال انه لايتمنى ان ينجب طفلا مسقيم الأعضاء ..مستقيم الرؤية ..اذ سيشقى بما حوله من اعوجاج ..

مرت يوتوبياك ايها الوطن الملحي المجنون صاخبة على كل ارض ..ندري انك تلثم ابناءك المشردين في اوطانهم ..اقصد في بيوتهم ..اقصد بالقرب من صدرك الطيب ايها الوطن اذ شردوا امام ناظريك وانت مكبل الى قطب الأرض وانت مقلوب الهيئة تجرك القاصفات والحوامات وطائرات التجسس فتنئى عن صبيتك الرضع الصغار ...ندري انك اليوم تتحول الى ارقام ..وطن ديجيتال ... اولادك الغرثى يضيعون منك وانت في قيدك الأليم لاتتلقى غير تسلسل ارقامهم ...وادري ان ماءك المقدس يهرب منك تباعا فلا شيء تهديه او تعطيه غير ارقام ماتملك وقد نهبه القوزاق...انهبوا مالك ومتاعك ؟ اجردوك من عافيتك ؟ اسرقوا النعمة عن اعطافك منذ 1991 وحتى 2003 ومابعدها ؟

آه ايها الوطن ..فقد شاب اولادك وهم ينظمون قصيد الفجيعة لأترابهم ، لبيوتهم ، لقبورهم التي تناسلت واتسعت حتى بلغت تخوم الحناجر ، وهم يسجلون لك ذلك ديجيتال .. ويصنعون لك المعدل اليومي لنقصان عافيتك ووأد صبيانك الغرثى ...

كان الأمبراطور المشعوذ في الليلة الفائتة قد سئل سؤالا بريئا : من السائل ومن المسؤول ؟

فقال في لهجة موجعة : انه الوطن الذي لم يصنع عياله كما يجب ...

وسكت الكلام وعاد اليك اولادك الكثر المشردون بالسؤال : لم لم تحسن صنعا .. وتتخلى عن تلك الأبوة الأفتراضية ؟ ثمل انت باستذكار ايامك ولياليك ..تريد نزولا من دموزي يتكرر في كل حين الى العالم السفلي ..

حتى ذاك الرثاء لدموزي لم يرق الى ذاك الرثاء المتناسل على ارضك وسماك ...

فمن اين انت والى اين انت ومن انت ؟

هل صنعوك هكذا (كولاجا ) من جذاذات ..ام انت هكذا تمتد افقيا بامتداد اولادك الماضين كسرب نمل الى اوطان صغيرة متكاثرة ..مناف من المر المغلف بتمرك العتيق ...اعطنا ايها الوطن دالة كي لانمضي في درب النمل الطويل ..كلا ..كي لانمضي الى الجلجلة فتتلقى انت (ديجيتال ) بالشهود والقتلة والقتلى ..اذ كم من قابيل وكم من هابيل انجبت ايها الوطن ؟

هم اليوم فيك ..في فيافيك ..يرضعون ماءك ..كاويا ..ويلتهمون من قصاعك التي لاتنتهي ثم يتجشأون وينتضون الحديد ..ثم يمضي ليلهم ونهارهم وهم كغثاء السيل ايها الوطن كما قال الرسول..يضرب بعضهم رقاب بعض بلا كلل ولاملل وارقام الديجيتال تأتيك تباعا مشفوعة بقصيد الفراقيات التي لايهنأ اولادك في ليل ولا نهار دون تفقد من تهاوى عن فرسه او سرجه او راحلته او اخرج من دياره او ملاذه ليعاد الى اسه الأول : كائنا هلاميا يجب ان يكون بلا رأس .

فالأوطان الجديدة تريد اولادا بلا رؤوس .. لايصدعون فيها ولا ينزفون ...كما قال الرب ...

هو نسل جديد ايها الوطن 1991 وحتى 2003 ومابعدها ....

نسل يسير منذ الصباح في العاصفة والهباء ..مشرع الصدر ..ينتظر وشم رقمه الديجيتال على صدره ..كي يسلم للعاصفة عنقه ..تلك الحاجة الناتئة الزائدة التي جيء بها خطأ ...

فالوطن بأولاد مثل هؤلاء هو وطن سيكون مهاد الكينونة .. اذ لامعنى للتأوهات السيمفونية .. ولا للصراخ الباكي منذ رحيل دموزي حتى اخر فاجعة مرقونة بالديجيتال ومنشورة في النيويورك تايمز ...

والا كيف تمتلئ الشاشات والصحف .. وانت لاتقدم قرابينا لآلهة وول ستريت ؟

حتى يمضي الخمير الحمر في الوهاد البعيدة باحثين عن اعناق لامعنى لوجودها وبقائها .. اعناق مشردين وفقراء وعابري سبيل .. وابرياء .,.. المهم ان تأتي الصدفة وحدها بعاصفة الحديد .. ويلتقط تنين الظلام ماشاء من اجساد وعظام وبقايا كي تصعد الأمبراطورية ..

في الزمن الذي تهشم مرارا واذ ابناؤك الحيارى المذهولون يأتون اليك ايها الوطن محملين بالطعنات كنت ارى اوطانا مستعارة معلقة في الطرقات والأسواق وبرسم البيع واعادة الخلق والتشكل .. وكنت ابحث عنك في وسط الأسواق و في وسط ضجيج الباعة والمشترين حيث يجري جزر الأوطان وتقليمها وتقطيعها وتلوينها بحسب الطلب فأين انت .. اين انت ..اين انت ؟ سأظل اصرخ فيك اين انت ...حتى تثبت لي انك وطن ..لاوثن ...#

 

باريس 22-6-2007